
السميولسانيات وفلسفة اللغة.
بحث في تداوليات المعنى والتجاوز الدلالي.
(منشورات دار كنوز المعرفة،2017)
1- مقدمة الكتاب:
في البدء يكون السؤال، السؤال وحده يمثل مفتاح كل الآفاق، والسؤال وحده يخول إمكانيات تجديد الفكر واستمرار التفكير. ومادامت الحقيقة أفقا يسير الإنسان في اتجاهه، بدافع الحاجة إلى الاكتشاف أو الرغبة في المزيد منه، فقد بات سؤال المعنى يمثل أهم سؤال معرفي شغل التفكير الإنساني منذ القديم، ويشغله إلى الأبد. لكن الاشتغال بهذا السؤال يمكن أن يكون بلا طائل، خصوصا إذا اقتصر النظر فيه على كونه سؤالا في الماهيات فحسب.
نستحضر هنا طبيعة العلاقة التي يمكن أن تكون بين الإنسان بدوافعه ومعتقداته، والكون بأشيائه ومعانيه. أي العلاقة التي يمكن أن تكون بين الذات العارفة وموضوعات المعرفة. إن هذه العلاقة مهما كانت، إنما هي عبارة عن إجاباتٍ ما عن أسئلةٍ ما بصدد موضوعٍ ما. يتعلق الأمر هنا بما يشبه السيرورة، يتم تدشينها بالأسئلة، وتستمر في ضوء ما يتحقق من أجوبة. ولهذا، فإن الحسم في طبيعة السؤال هو الذي يحسم في طبيعة العلاقة المعرفية، ويحسم بالتالي في طبيعة المعرفة.
ثم إن المهيمن من الأسئلة المعرفية كما هو معلوم، إما يتعلق بكيفٍ أو يتعلق بماهية. ولكن الذي نشهده اليوم هو اطراد البحث في الكيف قبل البحث في الماهية. لقد تحول السؤال المعرفي اليوم في الغالب، من بحث في الوجود والماهية والجوهر، إلى بحث في الكيفية والطريقة والمنهج. وفي هذا السياق ما عاد اهتمام اللسانيين والسميائيين منصبا على المعنى في ذاته، بل على ما تولَّد المعنى من خلاله. لقد تم صرف النظر عن البحث في ماهية المعنى، إلى البحث في سبل إنتاجه واستهلاكه.
لقد أثبتت تجارب البحث السميولساني أنه لا فائدة من النظر في المعنى باعتباره كيانا ثابتا، أو معطى سابقا ينبغي تحصيله كما هو. إن المعنى بخلاف الحقيقة، ليس جوهرا ولا أصلا ولا مادة. إنه عرَضٌ وشكل في سيرورة دائبة، متعدد بتعدد الأحيان والأماكن، ومتغير بتغير الذوات والمواقف. إن المعنى ليس في خطاب أو نص، إنه لا يُعطى بقدر ما يُؤتى، فنحن مثلاً قد نكون أمام نص واحد، فيكون لكل منَّا إزاءه معناه، ولكن النص في ذاته لا معنى له. ولهذا، إذا حدث أن أبلغك أحدهم شيئا، فلا تقل: لقد فهمت، وقل: لقد فهمت الآن هنا على الأقل، آخذا بعين الاعتبار اطراد التجاوز والتكسير في كل تسنين وكل تدليل.
وهكذا، إن السؤال بصدد المعنى يستتبع النظر في القضايا المتعلقة بتداوله، أي يستتبع النظر في قضايا التفاعل الإنساني من الإنتاج والتدليل إلى التلقي والتأويل. ولعل هذه من القضايا التي باتت تقتضي معالجة خاصة، وأصبح البحث فيها يفرض من جديد بداياته الملحة. خصوصا إذا تعلق الأمر في التواصل بموقف لا يحركه أو ينظمه قانون مسبق، أو تعلق بما ينظمه قانون منتهك. ولعل للموقف هذا مثاله الأقرب في الإعلاء فوق ما يسمى تسنينا أو نظاما للتدليل، ومثَّله التجاوز الدلالي، هذا الذي نعتبره داخل الإطار العام للتواصل الإنساني، أهم نموذج يقتضي المعالجة.
تلكم إذن مجمل الأفكار التي تقوم عليها الدعوى التي يناقشها ويحاجج لأجلها في هذا الكتاب، فعسى أن يكون فيه ما يفيد.
2- محتويات الكتاب:
مقدمة
مدخل عام
الفصل الأول: مقدمة في تكسير الأنساق.
1- التواصل والتجاوز الدلالي، مفاهيم وحدود.
2- التواصل ومثارات التجاوز الدلالي.
3- التواصل واستراتيجيات التجاوز الدلالي.
الفصل الثاني: التجاوز الدلالي واستلزامات التدليل.
1- الاقتضاء من منظور منطقي.
2- الاقتضاء من منظور لساني.
3- استلزامات الخطاب.
4- استلزامات التخاطب.
الفصل الثالث: التجاوز الدلالي والاشتقاق الإنجازي.
1- ماذا نفعل باللغة؟
2- في نظرية الفعل.
3- التجاوز الدلالي إلى الاشتقاق الإنجازي.
الفصل الرابع: التجاوز الدلالي وملابسات التأويل.
1- بين التفسير والتأويل.
2- موضـوع التأويــل.
3- شروط التأويل وكفـاءات المؤول.
4- مستويات التأويل
5- عتبات اشتغاله.
خاتمة
leave A Comment